ظاهرة “هلاوس الذكاء الاصطناعي” (AI Hallucinations) تشير إلى تلك الحالات التي يقدم فيها نموذج ذكاء اصطناعي إجابات أو معلومات تبدو مقنعة وواثقة، لكنّها في الحقيقة خاطئة أو مختلقة تمامًا—من التواريخ المغلوطة والأخطاء العلمية إلى اختلاق دراسات قانونية أو نصائح صحية خطيرة.
كيف تحدث الهلاوس ولماذا؟
الهلاوس تظهر في النماذج اللغوية الكبيرة لأن هذه النماذج تستند إلى التنبؤ الإحصائي للكلمات بناءً على بيانات تدريب ضخمة، وليس على معرفة حقيقية بالواقع أو الحقائق العلمية. عندما يواجه النموذج نقصًا في البيانات أو يناقش موضوعًا مبهمًا أو جديدًا، يلجأ لإكمال الفراغات بافتراضات “احتمالية” تبدو معقولة لغويًا، وليست دقيقة بالضرورة. هذه الأخطاء تتعزز عندما يصمم النموذج لإعطاء إجابات سلسلة وواثقة دائمًا—حتى لو لم يكن لديه معلومات كافية.
من الأسباب الشائعة للهلاوس:
- نقص أو تحيز البيانات التدريبية: عند غياب تفاصيل أو تنوع كافٍ في بيانات التدريب، يملأ النموذج الفجوات بإجابات خاطئة.
- النماذج المصممة للإرضاء وإظهار الثقة: كي تكون الردود مفيدة ومحترفة، يعطي النموذج أحياناً إجابات مصقولة حتى عند الجهل، ما يزيد صعوبة اكتشاف الخطأ.
- التدريب على التنبؤ (وليس الفهم الحقيقي): الذكاء الاصطناعي يكرر أنماطاً شبيهة بالواقع لكن دون منطق أو تحقق، إذ لا “يفهم” العالم كما يفهمه الإنسان.
أمثلة واقعية حديثة
- محامٍ اعتمد على ChatGPT لصياغة مستند قانوني فتضمن قضايا وهمية مختلقة تمامًا، ما ترتب عليه عقوبات قضائية.
- Google Gemini قدّم أثناء عرض إعلامي معلومات خاطئة عن تلسكوب جيمس ويب ما أدى لخسارة مليارات من قيمة الشركة.
- نماذج الذكاء الاصطناعي توصي أحياناً بإجراءات صحية أو وصفات طعام خطيرة أو غير واقعية، مثل خلط الغراء اللاصق مع صلصة البيتزا أو أن تناول الصخور مفيد للصحة.
مدى خطورة الهلاوس
في الاستخدامات اليومية، غالباً ما تكون الهلاوس مجرد ازعاج أو مصدر ضحك، وتكتشف بسهولة إذا كنت مطلعاً على الموضوع أو تدقق صحة التفاصيل. لكن الخطر الحقيقي يظهر عند الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة: الطب، القانون، الأخبار، التحليل المالي… حيث يمكن أن تؤدي الهلاوس إلى قرارات خاطئة أو حتى أضرار جسيمة.
جهود الحل وتخفيف المخاطر
تعتمد شركات التقنية الكبرى الآن على تقنيات ضبط وتحقيق تلقائي، وتطوير نماذج “التفكير المرحلي” لتقليل الهلاوس.
يستخدم المهندسون تقنيات مثل التدريب على أمثلة صعبة، وضبط نماذج الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الإجابات وفرض عقوبات متزايدة على التغذية العكسية الخاطئة.
يجري بحث خاصية “الاسترجاع المعزز” (RAG) لربط استشهادات لحظية من مصادر موثوقة مع توليد الإجابة، بدل الاعتماد على البيانات القديمة فقط.
ينصح الخبراء دائماً: عاملوا الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط، ودققوا أي معلومة جوهرية تُنتجها الأنظمة الذكية.
خلاصة عملية
الهلاوس في الذكاء الاصطناعي هي نتيجة حتمية لطريقة عمل النماذج الإحصائية—لا يمكن إلغاؤها بشكل تام، لكن يمكن تقليلها ومراقبتها. في التعامل اليومي، حصر الخطر يكون بالتدقيق وطرح الأسئلة بحذر، خاصة عند اتخاذ قرارات أو مشاركة معلومات بالغة الأهمية. الذكاء الاصطناعي منجز قوي لكنه “آلة توقعات“، لا “محرك حقائق“.